تترك قراءة رواية بقايا النهار للياباني كازو إيشيغيرو لذعة في النفس، وشئ من غصة لا يُمحى بسهولة.
حين شرعتُ في قراءتها، لم أكن في مزاج مناسب للقراءة ولكن وجود اسم الكاتب الياباني عليها شكل عامل إغراء قوي بالنسبة لي إضافةً إلى عنوانها الملفت The Remains of the Day مما حملني على قرائتها لأجول في الحياة برفقة ستيفنز الذي يكتشف أن النهار موشك على الإنقضاء، نهاره هو بالذات، ولم يتبق من اليوم إلا البقايا.
تستخدم الرواية أسلوب تيار الوعي الحديث لتروي حياة ستيفنز، رئيس الخدم الكهل، والحيوات الأخرى التي ارتبطت به. ستيفنز الذي أصبح الآن كبير خدم يعمل لحساب رجل أعمال أمريكي اسمه فارادي، يقترض سيارته ويذهب ليكتشف الريف بناءً على اقتراح من مخدومه، يدفعه أمله في استعادة الآنسة كنتون لتعاود العمل معه في دار دارلنغتون. أملاً في استعادة اللحظات الضائعة، ويصحح خياراته، مقنعًا نفسه بأن النهار ما زال طويلاً.
يتأمل ستيفنز خلال رحلته في تأمل الريف حياته هو بالذات، ويستعيد اللحظات التي يعتقد أنها أثرت عليها بشكل مباشر. تكتسب ذكرياته صيغة من التبرير البارد، هو هكذا لأنه لا يعرف كيف يكون شخصًا آخر. لقد جرب كل ما بوسعه ليصبح من المتميزين في مجاله، ومن أجل ذلك، ضحى بوجوده الخاص وإرادته الخاصة كإنسان حر. ووجد نفسه في نهاية المطاف على حافة النهار، دون أن يملك حتى الحق في أن يعترف بأنه كان مخطئًا.</br>
على حافة النهار يجلس ستيفنز، ما زال هُناك الوقت قبل حلول الظلام، ورغم السكرة، يجب ألا يضيع شيء بقايا النهار كما ضاع هو.
قرأت هذه الرواية في نسخة مترجمة للعربية في عام 2010، وفي نفس العام حصلت على نسخة مختصرة لها باللغة الإنكليزية، واحتفظت بالنسخة الإنكليزية في سبيل تحسين لغتي. منذ 2010 وحتى هذه اللحظة تغير الكثير، وأصبح الشعور بقرب انقضاء النهار أقوى من أي وقت مضى. حسبتني نسيت أمر الرواية، لكنني حين قررت العكوف على القراءة من جديد لاشتياقي لها ولصقل لغتي، أمضيت أمدًا أتقلب بين الكتب من الحيرة لا أدري بماذا أبدأ، أفكر تارة، هل أقرأ عن قصة غراهام غرين المدمرون؟ هل أقرأ عن القوة والمجد؟ أم أشد رحالي بعيدًا عنه لأقرأ عن شيطان جيرمي ليفنز؟ أو ربما، من الأفضل أن أقرأ عن محبوبة توني موريسون؟ أو السيدة دالواي رفيقة فرجينيا وولف؟ لم أستطع أن أحدد بماذا أبدأ نهائيًا، حتى تذكرت بقايا النهار وكم أنني بحاجة لإعادة قرائتها، حينها، وفي يوم واحد فقط. أنهيتها وكانت للمرة الثانية فارقة في قرار وجب علي أخذه. أُهنئ نفسي، فقد استفدت من تأرجحي على حافة النهار، وربما أستطيع التشبث به حتى النهاية.
أُنتج عن هذه الرواية فيلم يحمل نفس الاسم قام ببطولته أنتوني هوبكنز وإيما ثومبسون، ولم أره حتى الآن.